وقد اتخذت الدعوة الإسلامية من الإعجاز الفني للقرآن مظهرا بارزا من مظاهرها، ومنطلقاً أساسيا من منطلقاتها في الدعوة إلى هذا الدين بالحجة والإقناع، والحكمة والإبداع، مما هيّأ للنقد العربي سبيلا أكثر تقدما نحو الموضوعية، فكان مولد قضية الإعجاز الفني للقرآن، وهي قضية نقية في الصميم، ولقد استتبع البحث فيها ظهور قوانين البلاغة وقضاياها وأحكامها، تصحيحاً للأساليب العربية التي تعرّضت لموجة اللَّحنْ، مع ضعف الملكات وفسادها بفعل الاختلاط بين العرب وغيرهم من شعوب الأرض، وإبرازاً لنواحي الإعجاز التفصيلية في نظم القرآن الكريم, وكشفا عن القيم الجمالية التي تكمن في أساليب هذا الكتاب وآياته، وصولا إلى إثبات إعجاز القرآن بنظمه ونسقه، وروعة نسجه، وتخير لفظه، وتناسق موسيقاه، وعمق معناه، وشرف مغزاه.. في مواجهة الملحدين الذين قالوا بالصَّرفَةِ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً}[٣]
٥- وكذلك فرضت التبعية على هؤلاء أن يطعنوا في أصالة النقد الأدبي عند العرب زاعمين، أن نُقَّاد العرب أفادوا - تبعا لا أصالة - من بعض ما ترجم فلاسفتنا القدامى، دون أن يدركوا النظريات الكلية للنقد اليوناني القديم، وأنّ ما لدى الأجانب (الفرنجة) من أصول النقد، ومناهج الأدب هو المقياس الأقوم، والمثل الأعظم، ومن ثمَّ فلا مفرَّ من إخضاع الأدب العربي لتلك المقاييس الأجنبية، غير عابئين بالمقاييس الأصلية للنقد العربي، متجاهلين حقيقة الاختلاف في طبيعة الفن الأدبي من أمة إلى أمة، وجوهر التفاوت بين المقاييس النقدية لفحص هذا الفن المختلف باختلاف واقعه!!.