فلمّا تطورت الحياة في المجتمع الإسلامي, وتسرّب الفساد إلى كيان الدولة واختلط العرب بأجناس مختلفة من مختلف الشعوب والجنسيات صار الآباء وأولياء الأمور يهتمون بانتقاء أفاضل المعلمين لأولادهم كما ينتقون العارفين والمتفقهين في هذه المهنة، وكانوا يطلبون من معلم الكتَّاب شروطاً معينة بأن يكون ذا ثقافة عالية، وأن يكون عارفاً بسياسة تربية الأطفال ودارساً لنفسياتهم (أي ملماً بطرق التدريس وأصول التربية وعلم النفس) وأن يكون ديِّنا ورعاً متزوجا، ولا يجيزون للشبان المراهقين مزاولة هذه المهنة. من هنا نرى الأهمية الكبرى في اختيار وانتقاء المعلّمين الذين يقومون بأقدس رسالة وهي تربية وتنشئة وتعليم الشباب في مختلف أدوار حياتهم, وهي مهمة ليست باليسيرة, وليس من السهل أن يقوم بها كل من أوتي من العلم قسطاً من المعرفة دون أن تتوافر لديه المقومات الأساسية للمعلم الصالح والمربي الفاضل.
مناهج البحث عند المسلمين:
كان تصنيف مناهج البحث عند المسلمين ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
١- منهج أهل الحديث: وهم الإمام مالك وأصحابه ممن قالوا بالأصول الأربعة ولكن اعتمادهم كان أساساً على القرآن والحديث والإجماع.
٢- منهج أهل الرأي: وهم الإمام أبو حنيفة ممن قالوا بالأصول الأربعة, ولكن جلّ اعتمادهم على القرآن وعلى ما صح من الحديث، وعلى الإجماع والقياس.
٣- منهج أهل الظاهر: وهم داود وأصحابه ممن قالوا بالأصول الثلاثة: القرآن والسنة والإجماع، ومنعوا العمل بالتأويل والرأي والقياس.
وقد غلبت بعض هذه المناهج الثلاثة على أقاليم دون غيرها، فمذهب أهل الحديث غلب على أهل مكة والمدينة ومصر ومسلمي أفريقية والأندلس.
ومذهب أهل الرأي غلب على أهل العراق والمشرق ولكنه لم يعمَّر طويلا.
والمذهب الثالث: غلب على بعض الأمصار في الدولة الإسلامية في المشرق والمغرب.