أـ دراسة التيارات المختلفة التي توجد بين المدعوين، للوقوف على حقيقتها ومعرفة أسبابها، وقياس مدى قوتها، وتحليلها تحليلاً يبين موقعها من الدعوة وبهذه الدراسة يسهل وضع المنهج الأمثل لتبليغ الدعوة.
ب ـ وضع الخطة المناسبة لنجاح الدعوة على ضوء ما يسود المدعوين من تيارات، وما يكتنفهم من اتجاهات ولكل بيئة، لأن الاختلاف بين الأفراد تقتضي الاختلاف في أسلوب الدعوة، وذلك الاختلاف ضروري في فن الدعوة، وإيراده ليس بدعاً أمام الدعاة، لأن تعدد أساليب الخطاب في القرآن الكريم راعت اختلاف المخاطبين، فمن يناسبه الترغيب قد لا يناسبه الترهيب ومن يتأثر بالسور والآيات القصيرة قد لا يتأثر بالآيات الطوال، والمنكر المعاند يحتاج لتأكيد الخبر بعكس العاقل المصدق. وهكذا.
يقول صاحب كتاب القرآن وعلم النفس، والأسلوب المكي يغاير الأسلوب المدني لأن المكي قصير الجمل كثير التكرار، ملئ بالقصص والأقسام فيه مناسبة الفواصل، ورنين السجع، أما المدني فقل أن تجد فيه شيئاً من هذا، والعامل النفسي في ذلك أن القوم في مكة كانوا غير مستقرين، بل كانوا مطاردين قلقة نفوسهم، غير مستعدين لتشريع أو تفصيل، والمشركون أيضاً كانوا منصرفين عن سماع القرآن متأثرة نفوسهم بأدبهم وخطبهم ومنافراتهم، كما أن التشريع يحتاج إلى هدوء ورزانة في العقل، وترو في المنطق، وتقبل للإرشاد، ورغبة في التطور والإصلاح وطاعة للأمر واستجابة للداعي، وكل هذه الحالات غير متوفرة في الحياة المكية مما جعل الأسلوب المكي ينزل مناسباً لأهل مكة، فلما غايرت الحياة المدنية الحياة في مكة جاء الأسلوب المدني مناسباً للحياة المدنية، وبذلك تغاير الأسلوبان في القرآن الكريم [٧] وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاطب كل قبيلة بلسانها [٨] ، لأن ذلك التناسب من أهم أسباب بيان الدعوة واتضاحها أمام المخاطبين.