للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الممكن اختبار بعض الطلاب لدراسة علوم الدعوة بعد المرحلة الأولى على أساس استعداداتهم وميولهم. يقول ابن سينا: "إذا فرغ الصبي من تعلم القرآن الكريم وحفظ أصول اللغة أنظر عند ذلك إلى ما يراد أن تكون صناعته فوجهه لطريقه بعد أن يعلم مدير الصبي أن ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مواتية لكن ما شاكل طبعه وناسبه" [١٩] . وتلك ملاحظة هامة لأن وضع الإنسان في موضع يتفق مع ميوله واستعداداته أول شروط النجاح ولنقتد في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي اختار أبا بكر وعمر رضي الله عنهما للشورى واختار أبا عبيدة وخالداً وأسامة للحرب والقتال، واختار علياً ومعاذاً للحكم والقضاء، وهكذا سائر الصحابة الذين وكل إليهم بأعمال متعددة. وما تم ذلك إلا وفق استعداد كل منهم ليقوم بما يعهد إليه من مهام، ومن الممكن أيضاً عقد لقاءات شخصية للطلاب لاختبار قدرتهم واستعدادهم لهذا النوع من الدراسة لأن الاستعداد الشخصي أساس للتفوق العلمي، ولقد كان السلف رضوان الله عليهم يختبرون من يعلمون حتى لا يضعوا البذرة في أرض سبخة، ومن ذلك ما حدث من الخليل بن أحمد عالم العربية حينما أتاه النظام بولده إبراهيم وقال له: علم لي ولدي هذا، فإنه اختبره أولاً، وقال له صف هذا الكأس وأشار إلى كأس في يده فقال الغلام: بمدح أم بذم؟

قال: بمدح.

فقال الغلام: تريك القذى، ولا تقبل الأذى، ولا تستر ما وراء.

قال: فذمها.

فقال الغلام: يسرع إليها الكسر، ولا تقبل الجبر.

ومن ذلك أيضاً أن الحافظ العراقي لما ذهب إلى شيخ ابن البابا ليتلقى عنه الحديث اختبره أولا حيث قال له: من ابن البيع؟

قال الحافظ: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري.

فقال له: من أبو محمد الهلالي؟

قال: سفيان بن عيينة.

قال له: هلم يا بني. وعرف مكانته من الوعي والإدراك، واستعداده للتعلم وعلمه.