ولو أن القوم في عصر الرسالة الخاتمة أنصفوا ما تابع عليه موسى الأنبياء من قبلهم من الدعوة إلى توحيد الله، وما قفَّى على آثارهم فيه نبينا محمد صلوات الله عليه كما يظهر في قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء ٢٥. أجل لو أنصف القوم أنبياءهم لآمن اليهود بعيسى ومحمد ولآمن النصارى من بعد بخاتم المرسلين وبالدين والكتاب الذي تعظم منة الله به على هؤلاء، فهو ينصفهم ويذكر أوائلهم من آمن منهم ومن كفر، ومن بَرَّ ومن غدر، ليكون لهم فيهم أسوة حسنة..
ولأَخَذَ هؤلاء وأولئك أنفسهم بدعوة التوحيد، وهي نداء الفطرة بين أعطاف الناس، وُلِدوُا عليها وشبوا ودرجوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه". ولاسْتَجَابوا إلى توجيه الله تعالى في كتابه الخالد لمصطفاه:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} آل عمران ٦٤.
إن أولى الناس - لا ريب - بالإيمان بالله، ومؤازرة مصطفاه، هم الذين اتبعوا رسله وانتسبوا إلى أنبيائه، وكان لهم ذكرٌ سائر في كتاب الله يوم كانوا يقارعون كفر أصحاب الأخدود، وضلال الشرك بصوره وألوانه المتمثلة في عبادة الكواكب وغيرها من المعبودات الباطلة.
إن حجة القرآن الكريم قائمة على كل ذي مسكة من عقل منذ جاء البشرية به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قوي الحجّة، جامعا لكل ما تفرق في التَّوراة والإنجيل وما تقدمها قبل أن تنالها الأهواء، وتصرفات الأحياء.