وليس لأحد أن يشرع غير الله تعالى حتى الأنبياء فإنهم مبلغون عن الله واجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم واجتهاد أصحابه ليس تشريعا بل هو فهم للكتاب والسنة وتطبيق لمبادئ الدين ولذلك انتهى التشريع بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ابتدأ الفقه يستمد مضمونه من التشريع فشريعة الإسلام هي شريعة السماء الخالدة إلى أهل الأرض ما بقيت وما بقي الناس حتى يوم الدين.
ومن أجل ذلك وجب أن تكون وافية بجميع الأحكام والقوانين التي تحتاج إليها الأمم في تدبير شئونها وتنظيم حياتها صالحة لمسايرة هذه الحياة في جميع تطوراتها ومراحل تقدمها ورُقِيِّها تزودها في كل عصر وكل جيل بما يكفل لها السعادة ويسبغ عليها السلام والأمن وهذا ما يشهد به قوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} .
وقوله صلى الله عليه وسلم:"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله".
وليس معنى أن القرآن تبيان لكل شيء وأنه أحاط بجزيئات الوقائع والحوادث ونص على تفاصيل أحكامها فإن الواقع يشهد بأن في الأغلب لم يعرض لهذه التفاصيل ولم يعن بالجزيئات وإنما أتت الأحكام في صورة قوانين عامة ومبادئ كلية يمكن تحكيمها في كل ما يعرض للناس في حياتهم اليومية فهي قوانين محكمة ثابتة لا تختلف ولا يسوغ الإخلال بشيء منها وعامة كلية يمكن أن تتمشى مع اختلاف الظروف والأحوال.
فالقرآن الذي هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي تبيان لكل شيء من حيث أنه قد أحاط بجميع الأحوال والقواعد التي لابد منها في كل قانون وأي نظام وذلك كوجوب العدل والمساواة والشورى ورفع الحرج ودفع الضرر ورعاية الحقوق لأصحابها وأداء الأمانات إلى أهلها والرجوع بمهام الأمور إلى أهل الذكر والاختصاص.
وما إلى ذلك من المباد العامة التي لا يستطيع أن يشذ عنها قانون يراد به صلاح الأمم وإسعادها.