وقد كثرت وسائل الإعلام من صحف ومجلات ونشرات وسينما وراءٍ [١] ، وتطورات أساليب التوجيه والتأثير، وأنجزت هذه كلها مراحل من المخططات العديدة التي كان همها الأكبر هو تنشئة شخصية ليس لها طابع مميز إلا أن يكون تبعا إمعة، تتنكر لأمتها وماضيها وتستهين بتراثها وتنعى عليه، وتتعلق بالأجانب وبما أتوا به، ويقلدونهم ويرون فيهم أئمة يقتدون بهم، ويحرصون على القوال بآرائهم واعتقادها والتسليم بها، وهؤلاء الذين استطاعت تلك المعاهد والبعثات أن تحتويهم وتربيهم وتعلمهم، وكانوا طلائع فئات من الشباب والرجال صاروا إلى مناصب في طول البلاد وعرضها، وقاموا بما نشئوا عليه وعُلِّموه، بما عوّل عليهم معلموهم ومربوهم؛ فأدوا عنهم ما كان موكولا إلى هؤلاء من الجديد الخطر تربية وفكرا وثقافة، ونابوا عنهم في مهمتهم، وبهذا تواروا عن الأنظار كغرباء، يمكن أن يبعث ظهورهم عند الأمة على الاستيقاظ والانتباه، وهذا من مكرهم وغفلة الأمة عما يدبر لها.
وليس هذا كله من هؤلاء المكيدين بدعا ولكنه صورة متجددة الشكل متفقة المضمون، وهو شيء تشرحه الآية الكريمة وتدل عليه قوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَق}(البقرة ١٠٩) .
وهذه الرغبة العارمة عند هؤلاء هي الدافع لهم إلى كل محاولة لصرف المجتمع المؤمن عن الجادة بكل وسيلة ودون توان، ورغبة الإفساد سببها الحسد الذي ذكر في الآية، وهذا الحسد إنما هو لخير ما أوحى به تعالى من كتابه العزيز إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو ما تقدّم ذكره في آية هي قوله عز وجل:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(البقرة ١٠٥) .