ولذلك نرى أن الدكتور شوقي ضيف [٩] قد جانبه التوفيق حين قال: إن استعماله - يعني الجاحظ لكلمتي الحقيقة والمجاز في كتاب الحيوان - يدخل في استعمال البلاغيين المتأخرين، وقد أدّاه هذا الفهم الخاطئ لكلام الجاحظ إلى أن يحكم على ابن تيمية بالخطأ؛ إذ يقول [١٠] : إن ابن تيميه أخطأه التوفيق حين زعم أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث بعد القرون الثلاثة الأولى للهجرة. والنصوص التي سقناها من كلام الجاحظ فيما سبق شاهدة على صدق ما نقول.
وننتقل الآن إلى كتاب آخر ظهر في منتصف القرن الثالث الهجري، هو تأويل مشكل القرآن لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى المتوفى سنة ٢٧٦هـ، وهو عالم سنيّ محافظ يكره الاعتزال والمعتزلة، وكان غرضه من تصنيف كتاب (تأويل مشكل القرآن) الردّ على الملاحدة الذين يطعنون على القرآن الكريم؛ ويقولون إن به تناقضا وفسادا في النظم واضطرابا في الإعراب، وإنما أدّاهم هذا إلى جهلهم بأساليب العربية وقصورهم عن إدراك أسرارها وفهم مراميها، ومن ثم جاء هذا الكتاب لإظهار الحق وإبطال ما يدعون.