وخرجت جيوش الفرس بقيادة أعظم قوادهم (رستم) ، يحفّ به أمراء للجند مترفون، واتّخذوا أماكنهم غربيّ الفرات على أبواب القادسيّة، ومن ورائهم الثراء العريض والمدن العامرة، وجعلوا بينهم وبين جيش المسلمين رافدا من روافد الفرات يعلوه جسر؛ لسهل حراسته والذود عنه.
ومن ينظر إلى الجيش الكثيف والجند العديد لا يخال إلا أنهم سيقضون على العرب في غدوة نزال أو روحة منه، ولكنهم يقيمون ويطول بهم المقام حتى ليحار الناظر من عددهم وعدّتهم، والمتطلع إلى جيش العرب وعدته، ويتساءل: ما الذي يمنع الفرس من منازلة العرب وليس لهم في ماضيهم جولة مع الفرس رجعوا منها بهزيمة، أو آبوا منها بنصر؟! نعم ما الذي يمنعهم من نزالهم والعدد العربي قليل والزاد يسير والعتاد خفيف؛ والتردّد في اللقاء إنما يكون عند تعادل الجيشين لكل منهما لا يبدأ بحرب عسى أن لا يصبر الخصم على طول الإقامة مع كمال الأهبة؛ فيرضى من الغنيمة بالسلامة ويسعد من المعركة بالعافية؟!.
ويرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر أن القوم لم يبدأوا بنزال، وقد طال المقام واستمرّ التأهب!، ولكن الخليفة الحكيم يأمر قائده بالتريّث والانتظار، ويطلب منه أن لا يبدأ بعدوان، وألا يَملّ من طول المقام.
ونجد أوامر عمر من نفس سعد ونفوس المسلمين سعة وقبولا؛ فيصابرون العدوّ حتى ينفذ صبره، ويطاولونه حتى يمل مقامه؛ فيرسل إلى سعد أن أرسل إلي مِن رسلك مَن نبادله الرأي، ويجمع سعد مجلس الشورى من خاصته، ويعرض عليهم أن تذهب منهم طائفة إلى رستم؛ يبسطون له دعوتهم ويحددون لهم هدفهم، ويتقدم ربعي بن عامر ويقول لسعد: إن الأعاجم لهم آراء وآداب، ومتى نأتِهم جميعا يرَوْا أنا قد احتفلنا بهم؛ فلا تزدهم على رجل! فوافقه الجمع، وأمره سعد بأن يذهب إلى رستم.