وأراد رستم أن يقرب ربعيا منه وأن يدنيه، وأن يحسن له القول ويزيّن له الحديث؛ لعلّه يجد منه إيناسا به أو ركونا إليه؛ فيمنّيه أو يَعده؛ لعله بهذا يرجع إلى قومه بوجه غير الذي جاء به، ولكن ربعيّا يبدّد الوهم بالجد من القول، فيقول: إن مما سنّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا أن لا نُمكّن الأعداء من آذاننا، ولا نؤجّلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث؛ فنحن متردّدون عنكم ثلاثا، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل: اختر الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزية فنقبل ونكفّ عنك، وإن كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه وإن كنت إليه محتاجا منعناك، أو المنابذة في اليوم الرابع، ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا، وأنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلي جميع من ترى من قومي! قال: أسيّدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد لبعضهم من بعض؛ يجير أدناهم على أعلاهم، وخلا رستم برؤساء قومه وقال لهم: ما ترون؟ هل رأيتم كلاماً قطّ أوضح ولا أعزّ من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى دين هذا الأعرابي الجائع! أما ترى إلى ثيابه؟! فقال: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة؛ إن العرب تستخفّ باللباس والمآكل ويصونون الأحساب، وهم ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون.
وعجب القوم من كلام قائدهم، وظنوا به الظنون في تقديره للعرب مثل هذا التقدير، وأرادوا أن يؤيّدوا ظنهم أو يدفعوا وهمهم؛ فتقدموا إلى ربعي وتناولوا سلاحه وهم يزهّدونه فيه، فقال لهم: هل لكم إلى أن تروني فأريكم، ثم أخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار، فقال القوم: أغمده! فغمده، ثم رمى ترسا لهم فخرقه، ورموا هم وقايته من الأديم فسلمت، فقال لهم: يا أهل فارس إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب، وإنا صغرناهن.