للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأراد موسى بن نصير أن يقف بعد ذلك بنفسه على أحوال أسبانيا؛ فأعدّ حملة من المسلمين جعل على رأسها أحد قادته المشهورين بالمغامرة والشجاعة، وهو أبو زرعة طريف ابن مالك؛ فبعث هذا القائد إلى الأندلس في أربعمائة من خيرة الفدائيين، وذلك على سفن قدّمها لهم يوليان، ونزل المسلمون في جزيرة صغيرة اسمها بالوماس، وهي التي صارت تحمل بعد ذلك اسم القائد المسلم وعرفت بجزيرة طريف، وبادرت قوّة مكونة من أبناء غيطشة التي اشتركت في الحملة إلى مساعدة المسلمين وحراسة المضيق، وذلك في شهر رمضان عام ٩٢هـ يوليو ٧١١م، وشنّ طريف من مركزه بتلك الجزيرة عدّة حملات استطلاعية على سواحل أسبانيا الجنوبية، حيث درس تحصيناتها وعرف الكثير من أحوال أهلها ومدى علاقتهم بحكامها من القوط، وأخيرا عاد طريف إلى بلاد المغرب؛ فقدّم تقريرا مفصّلا عن إغاراته إلى موسى بن نصير، وشرح له في إسهاب أحوال أسبانيا، وقد أكّدت غارة طريف لموسى بن نصير صدق الأقوال التي نقلها إليه يوليان عن انهيار الأحوال في أسبانيا وافتقارها إلى أسباب الدفاع؛ بسبب انشغال القواد بملاذهم وانصرافهم إلى أعمال الطغيان وسلب ثروات البلاد لأنفسهم؛ فلم يلق طريف نوعا من أنواع المقاومة، كما لم يقابل قوّة من قوات القوط أثناء استطلاعه لأحوال جنوب أسبانيا، هذا إلى أن مبادرة أفراد بيت غيطشة إلى مساعدته وحراستهم لخطوط مواصلات المسلمين جاء دليلا واضحا على الانقسام الذي ساد الطبقة الحاكمة من القوط، وأن لوذريق لا يحكم إلا بالعنف والقسوة، وهو أمر لن يكفل له مقاومة المسلمين طويلا عندما يبدأ الفتح الإسلامي للبلاد، هذا إلى أن يوليان برهن مرة أخرى بما قدّمه من مساعدات لحملة طريف على أنه كاره فعلا للوذريق، وأن المؤامرة التي دبّرها مع أبناء غيطشة ضدّ هذا الحاكم المستبدّ مؤامرة لها خطرها، وأن خيوطها صحيحة وسليمة.