جاء اختيار موسى بن نصير لطارق بن زياد لقيادة هذه الحملة خطوة موفّقة، وأكّد بُعد نظر موسى وسعة خبرته الحربية؛ فطارق من البربر الذين عرفوا أرض الأندلس معرفة وثيقة؛ لأنهم يرونها امتدادا لبلادهم لا فارق بين بيئتها وبيئتهم، يضاف إلى ذلك أن طارقا هو الذي تولّى بنفسه جمع المعلومات عن بلاد الأندلس، وتولّى مفاوضات يوليان، وصار خبيرا بالميدان الجديد في سائر نواحيه الحربية والسياسية، وعمل موسى بن نصير على أن يشدّ أزر طارق الذي عهد إليه بالقيادة العليا للحملة؛ إذ ضم إليه هيئة من كبار رجال الحرب من العرب والبربر ليكونوا بمثابة مجلسه الاستشاري ومساعديه في إدارة المعارك، ومن أولئك القادة العرب: عبد الملك بن أبي عامر المغافري، وعلقمة اللخمي، وأحد موالي الخليفة الوليد بن عبد الملك واسمه مغيث الرومي، وكان القائد الأخير يعتبر مندوب الخلافة الحربي في تلك الحملة التي أعدّها موسى بن نصير، وحلقة الاتصال بين السلطات المركزية في دمشق ومقرّ القيادة الإسلامية في القيروان، وكلّف موسى بن نصير بعد ذلك يوليان بأن يقدّم للقوات الإسلامية السفن اللازمة لنقلها إلى أسبانيا، كما يتولى حراستها ويقوم بمهمة الدليل لها، وكان السبب في إصرار موسى بن نصير على الاعتماد في نقل الجند بسفن يوليان هو حرصه الشديد على إخفاء تحركات هذه الحملة عن العيون والجواسيس؛ فالأسطول الإسلامي كان قد تمّ إعداده على عهد موسى بن نصير وصارت له قاعدة هامة في تونس، كما ظهر نشاطه في السيطرة على الجزر الهامة في غرب البحر المتوسط، ولذا كانت تحركات هذا الأسطول محطّ أنظار الجميع ولا يمكن إخفاء أمرها، ولما كان موسى بن نصير يستهدف مفاجأة القوط بالأندلس لم يكن أمامه سوى الاعتماد على سفن يوليان التي لا تثير الريبة في نفوس من يشاهدها وهي تعبر بحر الزقاق (مضيق جبل طارق) ، وكان لدى يوليان أربع سفن لا تتّسع لنقل أفراد الحملة مرّة واحدة، ولذا تمت عملية