للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الوقت الذي أثرت فيه خطبة طارق تأثيرا كبيرا في نفوس جنوده ورفعت من روحهم المعنوية كانت العناصر الحانقة على لوذريق تحدث أعمالها وتدفع بكثير من أولئك الغاضبين إلى الانضمام إلى جيش طارق، ووقف الفريقان على ضفتي النهر أخيرا استعدادا للقتال، وكان المسلمون ببساطتهم ويقظتهم موضع الهيبة في النفوس، على حين كان منظر القوط يدعو إلى السخرية والازدراء؛ إذ جلس لوذريق في عربة مطهمة يجرها جوادان وعليه أثواب الحرير البراقة، وهو يحاول عبثا بثّ روح الحماسة في جنده، وكان في جيشه اثنان من إخوة غيطشة، وهما: أبه وششبرت اللذان صالحهما بغية توحيد صفوف القوط، وجعل أحدهما على الخيالة التي كانت عماد جيش القوط، وفي يوم الأحد ٢٨ من رمضان عام ٩٢هـ (١٩ يوليو ٧١١م) بدأت المناوشات بين الجانبين على وادي البرباط بالقرب من بلدة شذونة، واستمرت المناوشات ثلاثة أيام أظهر فيها كل من الجانبين الكثير من ضروب الشجاعة والبسالة دون أن يحصل أحدهما على نصر يذكر، غير أن أتباع يوليان نشطوا في أثناء القتال وبثّوا رجالاتهم وسط جند لوذريق ليصرفوهم عنه ويؤكدوا لهم أن المسلمين لم يأتوا إلى الأندلس للفتح والاستقرار ولكن للقضاء على هذا الطاغية، وأنه إذا تمّ القضاء على حكم لوذريق عادت البلاد ملكا لهم ينعمون بخيراتها، ونجحت دعايات يوليان بين فرسان القوط، خاصة تلك التي كان يتولى قيادتها أحد إخوة غيطشة ملك القوط السابق الذي قضى عليه لوذريق، وفي اليوم الرابع من المعركة ظهرت نتائج دعايات يوليان بين صفوف جيش لوذريق؛ فقد تخلى عنه جماعات الخيالة التي كانت العامود الفقري للعمليات الحربية، وأدى ذلك إلى وقوع الاضطراب بين سائر جند القوط وهرب الكثيرون منهم طلبا للنجاة، هذا إلى أن غالبية الجيش اشتملت على أعداد كبيرة من العبيد الساخطين على حكم القوط المتمنين زواله، ووجدوا في تلك المعركة فرصتهم للخلاص مما حلّ بهم من ظلم واضطهاد، ولما أخذت