ودخل موسى بن نصير مدينة دمشق في السادس والعشرين من يناير عام ٧١٥م جمادى الأولى عام ٩٦هـ، أي قبل وفاة الخليفة الوليد بأربعين يوما، وحرص موسى على أن يشرف بنفسه على طريقة سير الموكب وارتداء المشتركين فيه بثيابهم وبطريقة عرض الكنوز والغنائم، وأمر موسى بالأموال والجواهر واللؤلؤ والياقوت والزبرجد والجزع والوطاء والكساء المنسوج بالذهب والفضة المحرشة باللؤلؤ والياقوت والزبرجد وضمّها إلى موكب النصر مع رجاله بأرديتهم الجميلة الزاهية، ثم أقبل موسى بالذين ألبسهم التيجان حتى دخل مسجد دمشق والوليد على المنبر يحمد الله، وكان الخليفة يعاني في تلك الأيام من وطأة المرض ومع ذلك أبى إلا أن يخرج إلى المسجد متحملا لأجل قدوم موسى بن نصير، ولما رأى الخليفة هذا الموكب استولت عليه الدهشة والعجب الشديد وصاح الحاضرون من الناس: موسى موسى!، وأقبل هذا القائد المظفّر حتى سلّم على الخليفة ووقف ثلاثون رجلا من أصحاب التيجان في موكب النصر عن يمين المنبر وشماله، على حين وقف أمام الخليفة سائر أفراد الموكب ومراكب الغنائم المقامة على عجل، وهزّ هذا المنظر الباهر قلوب الحاضرين ومشاعرهم كما أثار ذكرياتهم عن فتوح المسلمين الكبرى، وقالوا إن الدولة الإسلامية لم تشهد منذ فتح فارس مثل هذا الموكب الرائع، ومثل تلك الغنائم الوافرة، وأخذ الخليفة يلقي خطبته في هذا المشهد الحافل وأكثر فيه الحمد لله والثناء عليه والشكر لما أيده الله ونصره، وأذهل موسى الناس بما أتى به من الخيرات والغنائم والأسرى، وكان موكب النصر هذا موكبا مشهودا؛ إذ لم ير الناس من قبل مثل هذا العدد من أمراء الغرب والأسرى الأوربيين، وقد جاءوا يقدمون الولاء والطاعة لأمير المؤمنين.