ولم يمضي طويل زمن حتى حمل البريد إلي رسالة أحد القسس من بلدة اسمها صفط الخمّار بمديرية المنيا يومئذ، وهي في صعيد مصر، وتبعد كثيراً عن بور سعيد التي كنت أؤدي فيها آنذاك أمانة الدعوة إلى الله، وفي الرسالة من سخائ م النفوس، وأوغار الصدور، والضيق بالإسلام الكريم ما اجتزئ منه بمجرد الإشارة إليه، ولون الماء من لون الإناء كما يقولون، وصدق الله الذي يعلم من خلق، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} آل عمران/ ١١٨
وحسبي أن أورد هذه العبارة من رسالة القس فهي أخف ما فيها.. قال ((أي جامعة إسلامية تريدها يا شيخ معوض؟! عوضَك الله خيرا في الإسلام)) !!!
ولقد رددت على الرسالة، ولكن العهد حينئذ، ونظام الحكم، وضيق المسئولين بكلمة الإسلام حالت دون نشر ما كتبت وللبحث والرسالة والرد عليها فرص تحين إن شاء الله مقرونة بذكريات ليس إلى نسيانها من سبيل مع قسس كانت تجمعنا بهم صوالح المناسبات، ولا يعلق بالخواطر من أقوالهم وأفعالهم ما يثير ريبة أو يدعو لإنكار، وبور سعيد تذكر ذلك العهد وكم ذكروني به حين كنت بينهم من أيام تجدد عهد الدعوة في ظروف طغت فيها مادية ((المدينة الحرة)) على طبيعة الهدوء التي عرف الناس بها بور سعيد من قديم.