للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونبدأ بالأول فنقول ما قاله رواة السنة عن ابن عباس وغيره أن النفر الذين ورد ذكرهم في سورتي (الأحقاف) و (الجن) لم يجتمعوا برسول الله بل أوحي إليه خبرهم، وإنما أتاه داعي الجن بعد ذلك، فقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله عز وجل، كما رواه البيهقي عن ابن مسعود (رض) [٣] .

وفي رواية البيهقي أيضا عن ابن هريرة (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له: "أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد، فدعوت الله تعالى لهم ألاً يمروا بروثة ولا عظم إلا وجدوه طعاما" وقد أخرجه البخاري في صحيحه بإسناد قريب منه.

وفي مسند الإمام أحمد عن علقمة عن ابن مسعود (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أتاني داعي الجن فقرأت عليهم" وفيه أنهم سألوه الزاد فقال: "كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم.." وهكذا رواه مسلم في صحيحه عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية به نحوه.

ومن أخبار ابن مسعود (رض) عن اجتماع رسول الله بالجن ما يرويه ابن جرير وغيره من أنه صلى الله عليه وسلم انطلق به ذات ليلة "حتى إذا كنا بأعلى مكة خطً لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته..".

والقارئ لتفسير ابن كثير لسورة الأحقاف يواجه العديد من الأحاديث التي ورد فيها هذا الخبر من طرق كثيرة العدد أيضا.. مما يقطع بأن اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالجن، وتبليغه إياهم الدعوة، قد حصل في مرحلة تالية لاستماعهم منه دون علمه.

هذا إلى أن سورة (الرحمن) بأسرها توكيد لهذا الواقع، الذي يتجلى في خطاب الثقلين. وإقامة الحجة عليهم جميعا، بآلائه التي لا يسع أحداً من الفريقين إنكارها. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان!!} .