إن نكبة طليطلة لم تأتي ضربة لازب، وإنما تقدمتها أسباب مهدت لها، وساقت إليها، من تلك الأسباب ما ذكره الشاعر في أبياته المتقدمة، وكما هو واضح فإنا ما ذكره لم يكن قاصراً على طليطلة منتشرا بين أهلها وحدهم وإنما هو عام في كثير من الأقاليم والمدن، ولو أن المسلمين هناك وعوا الدرس لعادت نكبة طليطلة ربحاً لبقية مدن الأندلس، ولكنهم استمرأوا ارتكاب المنكرات من فسق وفجور وأكل للحرام من غير اضطرار، ومن تجرؤ على حدود الله وارتكاب للمعاصي في السر والعلن، فلا عجب إن عمت مصيبتهم ونزلت من سماء الأندلس رايتهم.
ولا شك أن مقاومة هذه الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالأمة أمر تحتمه المحافظة على جسم الأمة صحيحا وروحها قويا وعزمها صلبا حديداً، فذلك أدعى لصمودها أمام من عاداها وردٍ سهام من رماها.
وكان الشعر يدعو إلى الجهاد، ويرغب فيه ذاكراً ما أعد للمجاهدين من أجر عظيم ومثيراً الحفائظ بأبلغ ما تستثار به من حماية الدين وتدعيم لأركانه، وتمهيد لنشره بين الناس. من ذلك ما قاله إبراهيم بن خلف المتوفى سنة ٦٤٩هـ.
هي عزة الدنيا وفوز المحشر
ورداً فمضمون نجاح المصدر
شيم الحمية كابراً عن كابر
يا معشر العرب الذين تواراثوا
بيعوا ويهنيكم وفاء المشترى
إن الإله قد اشترى أرواحكم
وبكم تمهد في قديم الأعصر
أنتم أحق بنصر دين نبيكم
ذاك البناء بكل لدن أسمر
أنتم بنيتم ركنه فلتدعموا
أغنتكم عن كل طرف مضمر
ولكم عزائم لو ركبتم بعضها
مستمسك بذناب عيش أغبر
الكفر ممتد المطامع والهدى
ألاً تجوس حريم رهط أصفر
والخيل تضمر في المرابط غيرة
من معشر كم غيروا من معشر
كم نكروا من معلم كم دمروا
من حلية التوحيد صهوة منبر
كم أبطلوا سنن النبي وعطلوا
أين العزائم مالها لا تنبري
أين الحفائظ مالها لم تنبعث
سيفاً ودين محمد لم ينصر [٦]