أجاب القزويني فقال: العذاب وجهنم-وإن لم يكونا من آلاء الله تعالى- فإن ذكرهما ووضعهما عن طريق الزجر عن المعاصي، والترغيب في الطاعات، من آلائه تعالى، ونحوه قوله:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[٢٥] ، لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة، واتبع كل قصة بهذا القول، فصار كأنه قال عقب كل قصة:(ويل يومئذ للمكذبين بهذه القصة)[٢٦] .ونقول أيضا: إن الله أنعم فيما أنذر به، وحذر من عقوباته على معاصيه ليحذروها فيرتدعوا عنها نظير أنعمه على ما وعده، وبشر من ثوابه على طاعته، ليرغبوا فيها، ويحرصوا عليها، وإنما تتحقق معرفة الشيء بأن تعتبره بضده، والوعد والوعيد وإن تقابلا في ذروتهما، فإنهما متقاربان في موضع النعم بالتوفيق على ملاك الأمر منهما.. وعليه قول الشاعر:
والحادثات وإن أصابك بؤسها
فهو الذي أنباك كيف نعيمها
ومن هذا النوع من التكرار قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[٢٧] في ثمانية مواضع، لأجل الوعظ فإنه قد يتأثر بالتكرار من لا يتأثر بالمرة الواحدة.
وأما قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} فذلك لظهور آيات الأنبياء عليهم السلام. والعجب من تخلف من لا يتأملها مع ظهورها.
وأما مناسبة قوله {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فإنه تعالى نفى الإيمان عن الأكثر، فدل بالمفهوم على إيمان الأقل، فكانت العزة على من لم يؤمن، والرحمة لمن آمن، وهما مرتبتان كترتب الفريقين [٢٨] .ومن هذا التكرار أيضا قوله تعالى:{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[٢٩] .
قال الزمخشري [٣٠]((كرر ليجدوا عند سماع كل نبأ منها اتعاظاً وتنبيها، وأن كلا من تلك الأنباء مستحق باعتبار يختص بها، وأن ينتبهوا كي لا يغلبهم السرور والغفلة)) .