٥- أنه ليس هناك ما يفيد في هذه الرواية أن ما وقع على عم حيي بن الأخطب كان لحملة على الاعتراف، بل الأرجح أنه كان عقابا على كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله، وعلى نكثه العهد حين اشترط عليهم الرسول ألا يكتموا وألا يغيبوا! وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بالقتل والسبي جزاء على ذلك فإن الضرب جزاء دون ذلك الجزاء!
وقد يكون هذا التفريط رد فعل لذلك الإفراط، لكنهم يبررون ذلك بما يلي:
١- أن الله سبحانه إذا قرر {أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} قد كفل له من الأحكام ما يكفل له تنظيم حياته دون حاجة إلى جديد {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} .
٢- أن المصالح الحقيقية هي التي وردت بها الأحكام، وما لم يرد به حكم فليس بمصلحة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
٣- أنها مظنة الحكم بالهوى ما دامت ليست معتبرة من الشارع، بل هي مترددة بين الاعتبار والإلغاء وفي هذا يقولون إنها ما دامت مترددة بين الاعتبار والإلغاء فإن انحيازها إلى جانب الاعتبار ليس أولى من انحيازها إلى جانب الإلغاء [١٥] .
ب. المصلحة المرسلة عند الجمهور:
١٠- شاع لدى البعض أن الإمام مالك وحده هو الآخذ بالمصالح المرسلة كدليل من أدلة الأحكام الشرعية [١٦] وأضاف البعض إليه الإمام أحمد.
لكن النظر الدقيق يثبت أن الأئمة الأربعة أخذوا بها وإن كان ذلك تحت مسميات أخرى فالعبرة بالمعنى قبل المبنى.
فالإمام الشافعي عالجها تحت باب القياس وهذا في رأيي نظر ثاقب من الإمام الشافعي لأن المصلحة قياس معنى وإن لم تكن قياس لفظ كما سيبين إن شاء الله والإمام أبو حنيفة عالجها تحت باب الاستحسان والعرف [١٧] .. والمصلحة قريبة من الاستحسان..