فانظروا إلى تعريف معنى الحكمة، وهي الموصوفة من ربها سبحانه بأنها خير كثير {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا} حيث شملت خيرية الحكمة بكل كثرتها كلمة {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} فيصبح المعنى، ولقد منحنا لقمان الحكمة، ولكي يعرفها قلنا له: هي شكر الله، ثم يكمل ليؤكد، بأن الشكر بعد أن فهم ليس ضده إلا الكفر، وليس مجرد معصية {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِه وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} ونزيد من تعليم ربنا لنا عن حقيقة شكره، يقول سبحانه:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} فالآية هنا هذه المرة، بدأت بالكفر ليعرف أنه مقصود بحرفيته ومعنويته ليضاد الشكر، ولا يقبل هنا تأويل بغير ذلك، فكلمة الكفر هنا يستمسك اللفظ فيها بالمعنى لا انفصام لهما، والدليل قوله في نفس الآية:{وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} ثم تأتي كلمة الشكر بعد ذلك تحمل كل الإيمان بجذره وفرعه، لتكون كفئا لمحق كلمة الكفر بكل دنسها، فهو لا يرضى لعباده الكفر لأن ما أعد للكافرين لا يرضيهم ويرضى لعباده الشكر لأن ما أعد للشاكرين سيرضيهم، وفي نهاية هذا الجزء من المحاضرة أتصور تساؤلين، أحدهما: ألا يجوز أن ندخل فيما أوضحنا جواز اعتبار الكفر المقصود فيها أيضا، هو كفر بالنعمة وليس كفراً بالمنعم؟ ومع أنني سأفرد جزءا كاملا من المحاضرة سيأتي بعد إن شاء الله، أفصل فيه الجواب عن ذلك، إلا أنني خشيت أن يعيش معي البعض الآن بشتات فكر، حيث سمع وربما لأول مرة ومن كتاب الله، أن الشكر هو مجموع الإيمان كله، وأن عدمه هو مجموع الكفر كله، ولا وسط بينهما، أقدم الآن مُسكَّناً حتى يتم العلاج بكامله بإذن الله، فأقرر بأنه لا يجوز أبدا أن ندخل فيما ذكرنا إمكان الكفر بالنعمة وليس بالمنعم، لأن التفريق بين المنعم ونعمته