الأول: - وهو من أحسنها وأقربها - أنّ المراد بقوله:{الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} تهييج المسلمين, وتحريضهم على قتال الكفار, فكأنه يقول لهم: هؤلاء الذين أمرتكم بقتالهم هم خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم, ويدل لهذا المعنى قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} , وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
الوجه الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} , وهذا من جهة النظر ظاهر حسن جدا, وإيضاح ذلك أنّ من حكمة الله البالغة في التشريع أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس ربما يشرعه تدريجيا لتخف صعوبته بالتدريج, فالخمر مثلا لما كان تركها شاقا على النفوس التي اعتادتها ذكر أولا بعض معائبها بقوله:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} , ثم بعد ذلك حرمها في وقت دون وقت كما دل عليه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية, ثم لما استأنست النفوس بتحريمها في الجملة حرّمها تحريما باتاً بقوله:{رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} , وكذلك الصوم لما كان شاقا على النفوس شرعه أولا على سبيل التخيير بينه وبين الإطعام, ثم رغب في الصوم مع التخيير بقوله:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} , ثم لما استأنست به النفوس أوجبه إيجابا حتما بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} , وكذلك القتال على هذا القول لما كان شاقا على النفوس أذن فيه أولا من غير إيجاب بقوله:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الآية, ثم أوجب عليهم قتال من قاتلهم بقوله:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} , ثم لما استأنست نفوسهم بالقتال أوجبه عليهم إيجابا عاما بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ