"وأشد ما عرض على الشريعة من هذا الصنف أنهم تأولوا كثيراً مما ظنوه ليس على ظاهره, وقالوا إن التأويل ليس هو المقصود به, وإنما أتى الله به في صورة المتشابه ابتلاء لعباده، واختباراً لهم"ثم قال أبو الوليد: "نعوذ بالله من هذا الظن بالله, بل نقول: إن كتاب الله العزيز إنما جاء معجزاً من جهة الوضوح والبيان"إلى أن قال: "وما أبعد عن مقصد الشرع من قال: فيما ليس بمتشابه أنه متشابه، ثم إنه أول ذلك المتشابه بزعمه وقال لجميع الناس: إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل، مثل ما قالوه في آية الاستواء على العرش, وغير ذلك مما قالوا إن ظاهره متشابه"يشير أبو الوليد إلى بعض آيات الصفات التي حرفها كثير من علماء الكلام، وتبعهم كثير من الناس في تحريفهم باسم التأويل كآية مجيء الرب يوم القيامة {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}(الفجر:٢٢) , وصفة المحبة {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه}(المائدة: ٥٤) , وصفة الرحمة التي دل عليها قوله عليه الصلاة والسلام:"الراحمون يرحمهم الرحمن"، و "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، وصفة الرضاء المأخوذة من قوله تعالى:{رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(المائدة: ١١٩) وغير ما ذكر من نصوص الصفات التي جاءت في الكتاب العزيز والسنة المطهرة, والتي سلط عليها أهل الكلام وكثير من الفلاسفة صنوف التأويل البعيدة عن مراد المتكلم بها، والتي أبعدت كثيراً من الناس عن المفهوم الصحيح لنصوص الصفات، ويضرب أبو الوليد مثالاً رائعاً لهذا الصنف من الناس فيقول: "ومثال من أوّل شيئاً من الشرع وزعم أنّ ما أوله هو ما قصده الشرع، وصرح بذلك التأويل للجمهور ـ مثال من أتي إلى دواء قد ركبه طبيب ماهر ليحفظ صحة الناس أو الأكثر، فجاء رجل فلم يلائمه ذلك الدواء المركب الأعظم لرداءة مزاج كان به ليس يعرض إلا للأقل من الناس فزعم أن بعض تلك الأدوية التي صرح باسمه الطبيب