وهذا واضح في الصفات الذاتية، وأما الصفات الفعلية كالخلق والتصوير والإحياء والإماتة والمجيء والنزول والاستواء والغضب والرضاء، وإن كانت هذه الأحوال والأفعال تتجدد وتحدث في وقت دون وقت كما في حديث الشفاعة، حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:"إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله" لأن هذا التجدد والحدوث بهذا الاعتبار غير ممتنع، ولا يطلق عليه أنه حدث بعد أن لم يكن، ألا ترى أن من [٦] تكلم اليوم وكان متكلماً بالأمس لا يقال بأنه حدث له الكلام، بل في حال تكلمه يقال: إنه متكلم بالفعل، وفي حال سكوته يقال: إنه متكلم بالقوة، وكذلك من كان قادراً على الكتابة يقال: كاتب بالفعل في حال كتابته وفي الحالة الأخرى يقال: كاتب بالقوة، فالله تعالى: خالق, رازق, محيي, مميت, معطي, قبل أن يخلق خلقه وعباده الذين يرزقهم ويعطيهم ويحييهم ويميتهم؛ لأنه قادر على ذلك كله أزلاً ولم يكن فاقداً صفة من هذه الصفات أو عاجزاً عن فعل من هذه الأفعال، بل هو على كل شيء قدير، ولعل في هذا المقدار غنية لطالب الحق، ومحاولة الإحاطة بالله تعالى محاولة فاشلة لقصور علمنا وعجزنا الذاتي {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً}(الإسراء: ٨٥) ، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}(طه: ١١٠) ، {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ}(البقرة: ٢٥٥) . هكذا يتم الجواب على الشبهة الأولى من الشبهتين اللتين جعلتا ابن رشد يتردد في هل العالم محدث أو قديم، فلنجب الآن على الشبهة الثانية بمعونة الله وتوفيقه، وهي أن مادة العالم لا تفنى ولا تنعدم وذلك دليل قدم العالم، كأن ابن رشد يحاول أن يستنتج من بقاء شيء من أجزاء العالم وعدم فنائه، يستنتج من ذلك أن العالم قديم أزلي.
الجواب: صحيح أن بعض المخلوقات لا تفنى بل تبقى بإبقاء الله إياها، ويجاب عن بقائها بجوابين: