للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَان} ِ (يوسف: ٤١) , معناه: الفراغ, وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْض} ِ (الجمعة: ١٠) أي فرغ منها، والقضاء والقدر بمنزلة الثوب الذي يقدره الخياط فهو قبل أن يفصله يقدر هو ويزيد وينقص, ويوسع ويضيق، وإذا فصله فقد قضاه وفاته, ولا يمكنه أن يزيد أو ينقص وذلك مثل القضاء والقدر, والله أعلم، وهناك تعريفات أخرى، وقد يعكس بعضهم فيقدم القضاء على القدر, والله أعلم.

وسواء كان هذا أو ذاك فإن الله تعالى سبق علمه بكل مخلوق وكتب مقاديره وأوجده وفق ما قدره له, وشاء ما يصدر عنه بعد وجوده من خير أو شر, ولا يخرج عن ذلك شيء لا أفعال الإنسان ولا غيرها، وكذلك ما يصيب الإنسان من الحوادث والكوارث, والعبد بجملته مخلوق جسمه وروحه وصفاته وأفعاله وأحواله فهو مخلوق خلق نشأة وصفة يتمكن بها من إحداث إرادته وأفعاله بتلك النشأة، بمشيئة الله وقدرته وتكوينه، فهو الذي خلقه وكوّنه كذلك، فتقع حركته بقدرة العبد المخلوقة، وإرادته التي جعلها الله فيه, فالله سبحانه إذا أراد فعل العبد خلق له القدرة والداعي إلى فعله, فيضاف الفعل إلى قدرة العبد إضافة المسبب إلى سببه، ويضاف إلى الله إضافة المخلوق إلى الخالق، فالمقدور واقع بقدرة العبد الحادثة وقوع المسبب بسببه، والسبب والمسبب والفاعل والآلة أثر قدرة الله [١٤] تعالى، فلا نعطل قدرة الله عن شمولها وكمالها وتناولها لكل ممكن، وليس في الوجود شيء مستقل بالتأثير سوى مشيئة الله وقدرته ولا نعطل قدرة العبد التي خلقها له وجعلها صالحة لمباشرة الأفعال.

هذه طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وهي التي كان عليها سلف هذه الأمة وهي وسط بين طريقة الجبرية والقدرية كما ترى، وكما سيتضح قريباً إن شاء الله.