والمراد به: مكان تعليق الحكم وهو العلة, فالمناط والعلة مترادفان إصطلاحا, إلا أنه غلب التعبير بلفظ المناط في المسلك الخامس من مسالك العلة الذي هو المناسبة والإخالة؛ فإنه يسمى تخريج المناط, وكذلك في المسك التاسع الذي هو تنقيح المناط, فتخريج المناط: هو استخراج العلة بمسلك المناسبة والاخالة, وتنقيح المناط: هو تصفية العلة وتهذيبها حتى لا يخرج شيء غير صالح لها, ولا يدخل شيء غير صالح لها كما هو معلوم في محله, وأما تحقيق المناط - وهو الغرض هنا – فهو: أن يكون مناط الحكم متفق عليه بين الخصمين, إلا أن أحدهما يقول: هو موجود في هذا الفرع, والثاني: يقول: لا, ومثاله: الاختلاف في قطع النباش؛ فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يوافق الجمهور على أن السرقة مناط القطع, ولكنه يقول: لم يتحقق المناط في النباش؛ لأنه غير سارق, بل هو آخذ مال عارض للضياع كالملتقط من غير حرز.
فإذا حققت ذلك, فاعلم أن مراد القائلين: لا تقبل توبته أن أفعاله دالة على خبث نيته وفساد عقيدته, وأنه ليس تائبا في الباطن توبة نصوح, فهم موافقون على أن التوبة النصوح مناط القبول كما ذكرنا, ولكن يقولون: أفعال هذا الخبيث دلّت على عدم تحقيق المناط فيه, ومن هنا اختلفت العلماء في توبة الزنديق المستتر بالكفر, فمن قائل: لا تقبل توبته, ومن قائل: تقبل, ومن مفرق بين إتيانه تائبا قبل الإطلاع عليه وبين الإطلاع على نفاقه قبل التوبة, كما هو معروف في فروع المذاهب الأربعة؛ لأن الذين يقولون: يقتل ولا تقبل توبته يرون أن نفاقه الباطن دليل على أن توبته تقية لا حقيقة, واستدلوا بقوله تعالى:{إلا الذين تابوا وأصلحوا} , فقالوا: الإصلاح شرط والزنديق لا يُطَّلَعُ على إصلاحه؛ لأن الفساد أتى مما أسرَّهُ, فإذا اطلع عليه وأظهر الإقلاع لم يزل في الباطن على ما كان عليه.