وهو نظام رباني كامل؛ لأن الله الذي خلق هذا الكائن الممتاز (الإنسان) لا يليق بحكمته أن يتركه هملا دون أمر أو نهي أو توجيه، بل يسلمه للفوضى ليتخبط خبط عشواء، يحلل ويحرم كما يهوى أو يشاء أو يعبد ما يريد كلا, بل نظم له حياته وعلاقاته المتنوعة وأرسل رسله لهذا الغرض ذاته، وأنزل عليهم كتبه، وخاتم رسله محمدٌ عليه الصلاة والسلام إذ لا نبي بعده, وآخر كتبه القرآن الكريم إذ لا كتاب بعده وبيان ذلك الكتاب وتفسيره في السنة المطهرة {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}(النحل: ٤٤) , وبهذا كله نظم الإسلام علاقة العبد بربه وخالقه بحيث يصبح عبدا له وحده يعبده دون غيره.. يعبده بعبادة منظمة مضبوطة بضوابط الشرع, تولى القرآن تنظيمها جملة أو تفصيلا، وشرحتها السنة المطهرة وزادتها بياناً وتوضيحا، على اختلاف درجاتها وشعبها الكثيرة إذ يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:"الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".
وهذه الشعب كلها عبادات وطاعات, على تفاوتها.
وجميع العبادات يجب أن تكون مقيدة بشريعة الله التي تؤخذ رأساً من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام, وخاضعة لأحكامه, وسلوك العبد هذا المسلك في جميع عباداته ومعاملاته وجميع تصرفاته هو الذي نعنيه بالعلاقة بين العبد وربه وهي العبودية الخالصة, وحقيقتها ألا يفقد الرب عبده حيث أمره ولا يجده حيث نهاه، وإن هفى أحياناً وخالف أمر ربه بادر بالتوبة والرجوع إلى الصواب، ليمحو أثر مخالفته وعصيانه بالتوبة والإنابة؛ لأن التوبة تجب ما قبلها, {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور: ٣١) .