ولن يكون الإنسان صالحاً إلا إذا توازنت قواه المادية والمعنوية جميعاً، وتلاقى بعضها مع بعض على دواعي الخير، ومواقع الإحسان وإلا إذا كان ذا دين حق، ليكون ذا سلوك حميد, وسيرة طيبة, وعمل نافع في ماديات الحياة ومعنوياتها.
فالدين الحق يعد الإنسان منتج الحضارة إعداداً طيباً, ليدخل في المجتمع معها صالحاً عاملا فيه, ويجعل الناس جميعاً ينتظمون في وحدة شعورية عامة, بأنهم على سواء في التكاليف الشرعية، وأنهم مطالبون كأفراد وكجماعة أن يقوموا بما كلفوا به، وأن يأمروا فيما بينهم بالمعروف، وأن ينهوا عن المنكر.
كما أن الدين الحق يضع المؤمنين به جميعاً وضعاً واحداً من أوامر الشريعة ونواهيها، وعلى قدم المساواة بينهم لا فرق بين حاكم ومحكوم، أو بين خاصة وعامة، أو بين أغنياء وفقراء، أو بين علماء وغير علماء، ثم تبدأ المفاضلة بينهم على حسب إحسان كل منهم أو تقصيره، فيكون أتقاهم هو أكرمهم عند الله، كما يقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات:١٣) .
وفي هذا المجال يكون التنافس في فعل الخير، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال، الذي يؤدي إلى سعادة الإنسان في الدنيا وإقامة حضارة راقية على أساس سليم، والظفر بالثواب الجزيل في الآخرة.
والدين يقيم المجتمع الإنساني كله على أساس من المساواة ورفع الحواجز المصطنعة بين الجماعات على مدعيات باطلة من الاعتزاز بالدم أو اللون أو المال أو الجاه أو السلطان ويرد الناس إلى معدنهم الأصلي الذي خلقهم فيه من نفس واحدة {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:١) .