ولما كان أشد ما يحرم منه الصائم مجافاة الحليلة، ويتحمل من ذلك العنت الكثير، فهي معه بالمواجهة طول اليوم أو أكثره، ونداء الشهوة المتصلة بالفرج قد يعشى العين ويوقر الأذن، خاصة لدى الإنسان، فالحيوان عندما تحمل أنثاه لأول يوم لا يقربها حتى تضع حملها، والإنسان يظل يباشر أنثاه حتى قبل الولادة بساعة، فشهوة الجنس عنده هي الغالبة على كل شهوة، ولو نودي للشهوة وهو شديد الجوع شديد العطش لأجاب الأولى وترك الأخيريين، وقد طلب من الصوام ألا يقربوا نساءهم بعد العشاء، لكن بعضهم ومنهم مؤمنون أكابر, غلبهم الأمر عند عدوتهم ليلاً إلى نسائهم، فلم يسخط عليهم سبحانه، ولم يحبط لهم عملاً ولم يضيع لهم إيماناً، فنسخ المنع ومنح الإباحة, مكتفياً سبحانه من عبده بعدم طاعة الشيطان الذي من أسهل إغرائه تحريك النصف البهيمي في الإنسان، وهو أقرب ما يلبى ويجاب سحابة نهار الصوم، فنقل إليهم رسولهم عليه الصلوات قول ربهم:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم}(البقرة: ١٨٧) , فهو سبحانه وإن كان قد أحله متجاوز عما سبق، لكن اعتبره رفثاً كان يجمل أن يعافى إبان المنع، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ}(البقرة: ١٨٧) . وهذا التصوير باللباس هو ما قوي الدافع إليه وضعف الصبر عنه، حيث أبيحت الملاصقة أصلاً كما يلصق اللباس الجسد، فلم يرض بعد ذلك سبحانه أن يباعد أو يشدد، {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}{عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}(البقرة: ١٨٧) , ومع وجود معنى الذم واضحاً في الآية، وهو أن خيانة وقعت منهم خانوا بها أنفسهم وليس سواهم، لما باشر هؤلاء البعض نساءهم حين المنع الليلي، نقول مع ما فهم من ذم في كلمة (تختانون) , فإن وعد الله باليسر هو الذي كان، فتاب عليكم بل ولم يجعل المنع إلزاماً