وتتجلى ظاهرة قسوة القلوب بين المسلمين في مجالين: الأول: بين الأغنياء والفقراء والثاني: بين ذوي الحاجات من المسلمين وبين من على أيديهم قضاؤها ولو كان من أصغر الموظفين القائمين على بعض مصالح المسلمين. فبين الأغنياء لا يوجد على الحقيقة أي مظهر للرحمة، والبر، والإحسان، يشار إليه بالبنان، فلا يوجد إلا غني يسكن قصور الملوك، وفقير يسكن أكواخ الحطب، وبيوت الصفيح، وغني يركب أحدث أنواع السيارات، وفقير يمشي على رجلين حافيتين، وغني تصنف له أنواع الطعام، وتصفف بين يديه في كلتا وجبتيه، وفقير محروم من كل الكماليات ويعاني آلاماً من فقده الضروريات.
وبين الموظفين وأصحاب الحاجات لا يوجد أيضاً أي مظهر من مظاهر الرحمة والشفقة، أو التقدير أو التكريم، كأن الموظف القائم على المصلحة موعز إليه بأتعاب المواطن ذي الحاجة، وإهانته، وتعذيبه حتى أصبح من المعلوم لكل الناس إن صاحب الحاجة إن لم يكن له وساطة لا تقضى حاجته إلا بعد عناء، ومشقة، وفوت وقت طويل، هذا إن قضيت له، وإلا فما أكثر من تموت حاجاتهم في نفوسهم، وتقبر مصالحهم في مقابر آمالهم وآلامهم.