"هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أهل ايلياء، أمنهم على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا يهدم ولا ينقض منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء معهم من اليهود أحد، وعلى أهل ايلياء مقابل ذلك أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن على نفسه وماله وعليه ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن أحب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم فإنهم آمنون على بيعهم وصلبانهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من سائر أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى بلده".
وهكذا لأول مرة دخل قائد بجيشه القدس يرحب بهم أهلها، ولم يقتل إنسان واحد باتفاق المؤرخين وبشهادة أعداء الإسلام أنفسهم. وظل المسيحيون يتمتعون بالأمن والاستقرار أيام الحكم الإسلامي على القدس قرابة قرنين ونصف قرن.
١٣- حتى تحركت الضغائن الصليبية فهاجم القدس الجيوش الصليبية أكثر من مرة، وضعف المسلمون وعجزوا عن المقاومة فاحتلتها الجيوش الصليبية عام ١٠٩٩ميلادية وقتل المسيحيون الذين يدعون أنهم رسل السلام والرحمة في يوم الاحتلال سبعين ألفا من المسلمين في القدس. ومكثوا فيها حاكمين ومستولين عليها مدة ٩٠ عاما، حتى قيض الله للإسلام صلاح الدين الأيوبي فأعاد القدس إلى أهلها المسلمين وذلك في عام ١١٩٣ ميلادية واستعمل مع المسيحيين من النبل والرفق والسماحة ما جعل الأعداء يشهدون له بالأنصاف والعدل. وهدأت القدس بعد ذلك قرابة ثمانية قرون بفضل الحكام المسلمين.