وملء قلوبهم بالعقائد الفاسدة وعقولهم بالأفكار المنحرفة، ثم شغل أوقاتهم في غير ما وفدوا من أجله من تعلم العلوم والمعارف حتى يتخرجوا جهالاً بالعلم الذي تخصصوا فيه في صورة علماء به حتى لا تستغني بهم بلادهم بل تبقى دائماً في حاجة إلى المستعمرين فيعود الدارس ممسوخ العقيدة والسلوك والتخصص.
وإذا حصل شذوذ في هذه القاعدة فبرز أحدهم في تخصصه أغروه بشتى المغريات ليبقى في بلادهم وما أكثر العقول التي حالوا بينها وبين العودة إلى بلادها وإذا أفلت منهم أحد هؤلاء النوابغ فرجع إلى بلاده لم يجد فيها الإمكانيات المناسبة لاختصاصه فيعود ميمماً شطر المغرب، وقد يجازى في بلاده جزاء سنمار فيودع في المعتقل أو يوضع في وظيفة تعتبر إهانة له ولتخصصه.
لهذا بقيت الشعوب الإسلامية مفتقرة لاستيراد الإبرة كالطائرة مع أن كثيراً من أبنائها يحملون أرقى الشهادات الغربية التي يعتبرونها مفخرة من مفاخر التاريخ.
والقليل الذي يبذل جهده في اختصاصه حسب الإمكانيات المتاحة يعتبر نفسه من ذوي العلم الذي لا ينبغي أن يمت إلى الدين بصلة كما هي طبيعة أساتذته في الغرب الذين فصلوا العلم المادي عن الدين لأن دينهم المحرف لم يقبل الانسجام مع العلم بل لم يقبل المصالحة معه فسووا بين الدين المسيحي المحرف وبين الدين الإسلامي الذي نزلت أول آياته بأعظم مفتاحين للمعرفة وهما القراءة والكتابة، كما قال تعالى:: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وهو تقليد أعمى يفوق تقليد القرود، وظلم عظيم يسوي بين النور والظلام.