وأقول لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أسس في المدينة مسجداً سوى مسجده ومسجده قباء. ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى في المدينة مسجداً غير هذين المسجدين فقوله بعيد من الصحة وكذلك لم يثبت عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسلمان رضي الله عنهم أنهم بنوا مساجد عند الخندق أو أنهم كانوا يتهجدون في مواضعها طوال الليل ومن زعم ذلك فقوله بعيد من الصحة.
والذي يظهر والله أعلم أن هذه المساجد كانت من إنشاء المفتونين بالآثار ونسبتها إلى الأكابر ليكون لذلك موقع عند الجهال.
وأما قول الكاتب ويسمى هذا المسجد مسجد الفتح وهو الاسم الخالد في كتب السيرة والتاريخ الإسلامي لأن الآية الكريمة {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} نزلت على رسول الله صلى الله عليه وهو في موضع عليه.
فجوبه أن يقال إن الفتح المذكور في الآية من سورة الأنفال لم يكن بالمدينة كما قد توهم ذلك كاتب المقال. وإنما كان ببدر حين التقى الجمعان كما ذكر ذلك المفسرون وأهل السير والأخبار. قال محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال يوم بدر اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة وكان استفتاحاً منه فنزلت {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} إلى آخر الآية. وقد رواه الإمام أحمد والنسائي وابن جرير والحاكم في مستدركه من طريق محمد بن إسحاق وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي رواية لابن جرير عن ابن شهاب الزهري قال أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صغيرة العدوي حليف بني زهرة أن المستفتح يومئذ أبو جهل وأنه قال حين التقى القوم: أينا أقطع للرحم وأتانا بما لا يعرف فأحنه الغدوة فكان ذلك استفتاحه فأنزل الله في ذلك {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} الآية.