للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتبع ذلك في الترتيب {وَالْيَتَامَى} فاليتم قطع أليم لحنو عظيم بالقلب واليد كان يمد لليتيم قبل أن يأتم بموت أبيه، ومد المال إليه بعد ذلك امتداد لجزء عظيم كان قد انقطع عنه باليتم لما مات العائل {وَالْمَسَاكِينَ} ، وكلمة المسكين تعبير عن الذي أسكنته وأذلته الحاجة، فانزوى وانطوى على همه، فيحوله الإيتاء من أهل السخاء إلى إنسان متحرك متصل بالمجتمع، يعمل معه أخذاً وعطاء بالمال الذي أوتيه {وَابْنَ السَّبِيلِ} ، سالك الطريق إلى غاية لم يبلغها لنفاد ما يبلغه، فيعينه ما أعطيه على إدراك مقصده والاجتماع بمطلوبه ليفرح ويسر بعد غربة، وانقطاع ووحشة، {وَالسَّائِلِينَ} ، ولو كانوا على جياد مسومة وتعلوهم ثياب مطرزة، ما داموا مجهولين وليسوا معروفين بالاحتراف للسؤال، فقد تكون طارئة كبرى ونازلة عظمى حلت بهم فأتربت أيديهم، وبقي عليهم أثر نعمة ذهبت، فلا يجوز تعنيف السائل على مظهر يبدو منه عدم حاجته إلى السؤال {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً} آية ٢٦٣ من سورة البقرة، {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} آية ١٠ من سورة الضحى، وما أبعد الفرق بين اليد التي أعطت واليد التي أخذت "اليد العليا خير من اليد السفلى "والخيرية هنا على لسان الصدوق صلى الله عليه وسلم تشمل الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يد اكتفت واغتنت وعزت، فامتدت لتعطى وليس لتأخذ، ويد افتقرت واحتاجت فأمدها الفقر لتأخذ لا لتعطى، وفي الآخرة أجرت اليد التي أعطت لأنها شكرت، والثانية لا أجر لها على ما أخذت، بل قد تعاقب إذا كانت امتدت متسمرئة سهولة السؤال عن السعي الحافظ لماء الوجه، أما المؤتي فهو بنيته يثاب على كل حال {وَفِي الرِّقَابِ} . وهنا تقدير تفسيري بين "في"و "الرقاب"، أي (وفي فك أو إعتاق الرقاب) المسلوبة الحرية، من عبيد وإماء وأسارى، كأن يعتق ما يملكه من عبد أو أمة تاركاً ثمنهما صدقة لله، أو يشتري الرقاب