شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه ولا يكون في الدين واجباً إلا ما أوجبه ولا حراماً إلا ما حرمه ولا مستحباً إلا ما استحبه ولا مكروهاً إلا ما كرهه ولا مباحاً إلا ما أباحه.
وهكذا في الإباحات كما استباح أبو طلحة أكل البرد وهو صائم واستباحة حذيفة السحور بعد طهور الضوء المنتشر إلا أن الشمس لم تطلع وغيرهما من الصحابة لم يقل بذلك فوجب الرد إلى الكتاب والسنة.
وهكذا الكراهة والتحريم مثل كراهة عمر وابنه للطيب قبل الطواف بالبيت وكراهة من كره من الصحابة فسخ الحج إلى التمتع أو التمتع مطلقاً أو رأى تقدير مسافة القصر بحد حده وأنه لا يقصر بدون ذلك أو رأى أنه ليس للمسافر أن يصوم في السفر، ومن ذلك قول سلمان أن الريق نجس وقول ابن عمر في الكتابية لا يجوز نكاحها، وتوريث معاذ ومعاوية للمسلم من الكافر ومنع عمر وابن مسعود للجنب أن يتيمم وقول علي وزيد وابن عمر في المفوضة أنه لا مهر لها إذا مات الزوج وقول علي وابن عباس في المتوفى عنها الحامل أنها تعتد إلى أبعد الأجلين وقول ابن عمر لا يجوز الاشتراط في الحج وقول ابن عباس وغيره في المتوفى عنها ليس عليها لزوم المنزل وقول عمر وابن مسعود أن المبتوتة لها السكنى والنفقة وأمثال ذلك مما تنازع فيه الصحابة فإنه يجب الرد إلى الله والرسول، ونظائرها كثيرة فلا يكون شريعة للأمة إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال من العلماء إن قول الصحابي حجة، فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولا عرف نص يخالفه، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقراراً على قول فقد يقال "هذا إجماع إقراري"إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم وهم لا يقرون على باطل. وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال "حجة ".