ومن ثم فلم الخوف من الخلق؟ ولم الجبن من قول الحق؟ ولم ارتعاد الفرائص ممن يتجبرون في الأرض ويتسلطون بغياً وعدواً؟ ما دام أن النفع والضر لن ينال أحداً إلا بما كتبه الله عنده في الأزل، ولا يملك مخلوق مهما أوتي من سلطان علمه أو تغييره؟ وما دام أن الخير والشر بيد الله سبحانه، وأنه مسبب كل خير، ودافع كل شر؟ إن إشراك الخلق في هاتين الصفتين (النفع والضر) مع الله تعالى أفسد على الناس قلوبهم وحياتهم وجعلهم يعيشون في رعب وظلام.
فالرب هو المعطي المانع: هو سبحانه يعطى ما أحب عطاءه تفضلاً وإصلاحاً، ويمنع ما أحب منعه حكمة وصلاحاً -[٦٠] فمن يعتقد أن أحداً يملك العطاء أو المنع مع الله، أو يملك العطاء لما منع الله، أو المنع لما أعطى الله، فقد أشرك في الربوبية مع الله تعالى- يقول سبحانه:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[٦١] ويقول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[٦٢] ويقول: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[٦٣]- يقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[٦٤]- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه عند رفعه من الركوع في الصلاة "ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".