والرب هو المدبر لأمر هذا الكون كله: فمن يعتقد أن أحداً ما غير الله تعالى يملك تدبير الأمر في هذا الكون، ويصرف شئونه، فقد أشرك في الربوبية مع الله تعالى، وذلك كما يعتقد بعض الغارقين في الجهل أن هناك أقطاباً من الموتى وأبدالاً من الأولياء الصالحين لهم قدر من التصرف في حياة الناس فيستطيعون أن يولوا ويعزلوا، ويعطوا ويمنعوا، ويضروا وينفعوا - وأن لهم ديواناً يعقد كل ليلة تترأسه (السيدة زينب بمصر) ويلقبونها بأم هاشم، فتصدر منه القرارات والأوامر بنجاح فلان وفشل الآخر، وربح فلان وخسارة الآخر، وإشقاء هذا وإمراض ذاك، وإفقار هذا وإغناء غيره، والانتقام ممن يتقرر في الديوان أن ينتقم منه - لذلك تجد العوام عندما يمسهم ضر ينادون مستغيثين:"يا رئيسة الديوان يا أم هاشم"عليك بفلان أو بفلان، وانتقمي من هذا أو من ذاك - وغير ذلك مما يطلبون به تفريج الكروب لاعتقادهم أنها تقضي لهم في الديوان برئاستها إياه - كل ما يطلبون- إذ أن لها - مع غيرها من الأقطاب التصرف في الأمر، ولذلك اشتهر على ألسنة أولئك العوام قولهم (الأربعة المتصرفون في الكون) وبذلك سلبوا الله تعالى صفة التدبير وحكموا عليه بالعجز - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- إنه لا مدبر لأمر هذا الكون سوى الله تعالى- بقوله سبحانه:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}[٦٥]- ويقول:{يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ}[٦٦] ولا مصرف لشئون خلقه إلا هو جل وعلا- يقول تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ