وفي الوقت الذي كانت بريطانيا "العظمى"قد أعطت العهد للشريف حسين بمنح الاستقلال للدول العربية - والسماح بقيام خلافة "عربية إسلامية"يقوم عليها أحد الأصلاء من مكة أو المدينة - في نفس الوقت كانت الاتصالات باليهود قائمة، وكان التعاطف معهم على أشده، وتم عقد اتفاقيتين سريتين في مارس سنة ١٩١٦ بين روسيا وإنجلترا وفرنسا، وفي مايو سنة ١٩١٦ بين الدولتين الأخيرتين (والتي عرفت بمعاهدة سايس بيكو) ، وتقرر وضع إقليم فلسطين تحت حكم دولي يتمتع اليهود في ظله "بالمساواة السياسية والدينية والمدنية"[٢] .
ولم يعرف الشريف حسين الذي وثق في شرف بريطانيا "العظمى"بأمر هذه الاتفاقات إلا بعد ستة شهور، وبعد قيام الثورة البلشفية في روسيا.. حيث أعلنت عن هذه الاتفاقات [٣] .
وفي نوفمبر ١٩١٧ أصدر اللورد (بلفور) - وزير خارجية بريطانيا "العظمى"التصريح التالي: "إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي، وسنبذل جهدنا لتسهيل تحقيق هذه الغاية، وعلى أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى..".
وبهذا أعطى (من لا يملك) إلى (من لا يستحق) أول حماية، يتم التصريح بها، وأول خطوة عن طريق الشرعية الزائفة، ومع ذلك اعتبرها الصهيونيون تصديقا بريطانيا رسميا على إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وذلك عن طريق الهجرة الجماعية وابتياع الأراضي، ووافقت على التصريح فرنسا وإيطاليا في فبراير سنة ١٩١٨، وأمريكا في أكتوبر سنة ١٩١٨م.