وذهب حيي بن أخطب وسلاّم بن أبي الحقيق ونفر من زعماء بنى النضير ووجوههم إلى مكة؛ لتحريض قريش على مهاجمة المدينة، وقالوا لهم: سنكون معكم عليه حتى نستأصله، وكأنما قريش تشككوا في نية اليهود فترددوا في ممالأتهم على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عربي مثلهم، أو كأنما تشككوا في أمر دينهم فأرادوا أن يطمئنوا إلى حقيقة أمره، ويوازنوا بينه وبين الإسلام الذي يدعو إلى الوحدانية ومكارم الأخلاق، كما أرادوا أن يتبينوا موقفهم منه صلى الله عليه وسلم، وهل هم على حق في حربهم له أم على باطل؟ فقالوا:"يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ فدفعهم حب الانتقام والرغبة في إغراء قريش بحربه إلى تمويه الحقائق وتشويهها؛ فقالوا: بل دينكم خير من دينه؛ فأنتم أولى بالحق منه".
وهكذا شهد اليهود هذه الشهادة الفاجرة؛ حيث شهدوا بأن الشرك خير من التوحيد، وأنكروا ما جاءت به التوراة من وحدانية الله والنهي عن الإثم والفواحش؛ فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم قوله جل شأنه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} .
فلما قال اليهود ذلك لقريش سرّهم وحفوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعدوا لذلك.