ووصل الحلفاء إلى المدينة وضربوا عليها الحصار، ووقف الفريقان أما الخندق وجها لوجه: المسلمون على قلة عددهم وضعف عدتهم، والمشركون على كثرتهم وتمام عدتهم، وطال الحصار ولم ينل الأحزاب منالا من المسلمين، وخاف حيي بن أخطب أن تسأم قريش وغطفان طول المقام فيرجعون إلى ديارهم وبذلك تفلت الفرصة من يده، ورأى أن الأحزاب لن يتمكنوا من دخول المدينة إلا من ناحية بني قريظة وكان هؤلاء لا يزالون على عهدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلابد أن يغريهم حيى بنقض العهد حتى يسهلوا للأحزاب مهمة اقتحام المدينة؛ فذهب إلى زعيمهم كعب بن أسد فأغلق كعب دونه باب حصنه؛ فأخذ حيى يحتال عليه حتى فتح له فدخل عليه وقال:"يا كعب إنما جئتك بعز الدهر: جئتك بقريش وسادتها وغطفان وقادتها قد تعاهدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه"، فقال كعب "جئتني - والله - بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه، ويحك يا حيي دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه؛ فإني لم أر من محمد إلا وفاءا وصدقا"، فلم يزل حيى بكعب حتى اتفق معه على خيانة المسلمين والانضمام إلى الأحزاب.
وبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى بني قريظة سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج في نفر من أصحابه وقال لهم:"انطلقوا إلى بني قريظة؛ فإن كان ما قيل لنا حقا فألحنوا لنا لحنا [١] ولا تفتوا في أعضاء الناس، وإن كان كذبا فاجهروا به للناس".
فانطلق الوفد إلى محلتهم، فوجدهم قد تغيروا عما كانوا عليه ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا:"لا عهد له عندنا"؛ فجعل سعد بن معاذ يدعوهم إلى الوفاء ويحذرهم عاقبة الخيانة والغدر، وكان مما قاله لهم:"أخشى عليكم يوم بني النضير وأمرّ منه"، فردوا عليه ردا قبيحا، وشاتموه وشاتمهم، فقال له سعد بن عبادة:"دع عنك مشاتمتهم فالذي بيننا وبينهم أكثر من ذلك".