لم يشأ عبد الله أن يفاجئهم ويعمل فيهم السيف على غرة، بل اتبع الطريق الذي سار عليه المسلمون في عهدهم الأول؛ فأرسل إليهم من يدعوهم للدخول في الإسلام، أو الجزية أو القتال، ولكنهم غدروا بالرسل وقتلوهم عن أخرهم؛ فأهم الداعية هذا الأمر، فأمر المرابطين بالاستعداد لقتالهم، وصعد عليهم الجبل، وقاتلهم ثلاثة أيام، استبسل فيها المرابطون ومات منهم عدد كبير، وكاد الأمر يخرج من أيديهم؛ فالأعداء أكثر منهم عدداً وعدة، ولكن المرابطين وضعوا في تفكيرهم ما يصيبهم إن هم انهزموا سيتعرضون للسخرية والاستهزاء، ولن ترحمهم ألسنة الأعداء؛ فقد يقومون بدعاية تؤثر على سير الدعوة، وأيضاً فقد يطمع فيهم أهل غانا، فيُهْدَم كل ما بنوه، زيادة على العداء بين الداعية وكبراء القبائل المحيطة بالرباط؛ لذلك نجد الداعية عبد الله بن ياسين يخطب المسلمين في اليوم الرابع فيقول:"أنا احتسبنا أنفسنا في حق الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأراكم قد أعياكم حرب هؤلاء المشركين ولم يأمرنا الله أن نتركهم إذ.. فاستعينوا بالله ر بكم ينصركم عليهم"[٥] .
كان لكلمات الداعية الإمام - رحمه الله - أثرها الفعال في قلوب المرابطين، فاستعدوا لدخول المعركة، واثقين من نصر الله، مقدرين النتائج السيئة المترتبة على الهزيمة، وحمي وطيس المعركة وهجم المسلمون على المشركين حملة رجل واحد؛ فانهزم الجمع وولوا الأدبار، والمسلمون ورائهم يقتلون ويأسرون؛ لقد قتلوا منهم أعدادا كثيرة، وسلبوا أموالهم، وتوغلوا في ديارهم حتى أشرفوا على ديار التكرور؛ فانضموا إليهم وأصبحوا قوة للمرابطين.
حمل الركبان نبأ هذا الانتصار في قلب الصحراء إلى كل مكان، لقد مكنوا لدين الله في أرضه، وضموا أعدادا كثيرة إلى المرابطين؛ خاضوا معهم الحروب، ورجع المسلمون إلى الرباط، وأقبل الناس ليروا الفئة المؤمنة الصابرة، ولينضم إليهم من يريد شرف الجهاد في سبيل الله.