للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن معروفا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يترددون على القبر، إلا ما عرف عن عبد الله بن عمر من أنه إذا أراد سفرا أو قدم من سفر جاء إلى القبور الثلاثة بعد ما يصلي في المسجد ركعتين؛ فيقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا أبتاه"، ولا يزيد على هذا؛ فماذا يقول من يزعم أن السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخص خصائص المسجد النبوي؟.. وأن السلام على رسول الله ما كان يوما من الأيام إلا من داخل المسجد.. وماذا يقول من يرى وجوب أو استحباب أو إباحة شد الرحال لزيارة القبر الشريف، معارضا بذلك نهيه عليه السلام، ومحاولا تأويل ذلك النهى، غير ملتفت لعمل السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم في هذه المسألة ... بل حاول أن ينسب إليهم ما لم يقولوا أو يفعلوا.

لا أعلم لهم جوابا إلا أن يدعوا إحدى ثلاث دعاوى:

الأولى: أن يدعوا ضعف الحديث الذي أفاد النهي عن اتخاذ قبره عليه السلام عيدا، وأفاد أن لا فرق في السلام عليه - عليه السلام- بين أن يكون من قريب بعيد، وهذه الدعوى لو لجأوا إليها لقلنا لهم: إن طريقا واحدة من طرق هذا الحديث تساوى طرق حديث "ما من أحد يسلم علي.." الخ. وتبقى بقية الطرق لا مقابل لها بالنسبة لذلك الحديث.. علما بأن حديث "لا تتخذوا.."قد استدل به في الموضوع أئمة الإسلام قديما وحديثا كما تقدم، وكما تجده في أي كتاب تعرض لهذه المسألة، والحديث إذا ارتفع عن درجة الضعف فهو أولى بالقبول من آراء الرجال.

الثانية: أن يتهموا إمامي أهل البيت -وغيرهم ممن استدل بهذا الحديث على عدم جواز التردد على القبر - بسوء الفهم، وأنهم نزلوا الحديث في غير منزله، ووضعوه في غير موضعه.