ثم التعبير بقولهم:"ومما استدل به على عدم مشروعية شد الرحال"تعبير ركيك ناقص؛ إذ أنه لا يوجد ولم يوجد من يقول إن شد الرحال- بمجرده - مشروع أو ممنوع؛ فالتعبير الصحيح أن يقال:"ومما استدل به على عدم جواز شد الرحال لزيارة القبور.. الخ"، وكذلك قولهم عن المانعين إنهم استدلوا بما روى عن مالك.. الخ. الصحيح أن قول مالك وغيره من العلماء لا يستدل به في الأحكام الشرعية، وإنما يستدل بنصوص الشرع إن وجد شيء منها في الموضوع، وإلا نظر هل حصل إجماع من الأمة في حكم المسألة المبحوثة، وإن لم يوجد رجع إلى القياس إن كانت المسألة في غير العقيدة وفي غير العبادات.
أما قول العلماء كل واحد على انفراد فلا ينبغي أن يسمى أو يعتبر دليلا تثبت به الأحكام الشرعية، وإنما يستأنس به فقط، كما يستفاد منه فهم هذا الإمام أو العالم لنص من النصوص أو مذهبه في مسألة من المسائل، وكذلك يحتج به على من نسب إلى هذا العالم خلاف ما ثبت عنه، أما اعتبار قول مالك أو غيره دليلا من أدلة الأحكام الشرعية دون أن يكون هناك إجماع من علماء الأمة فاصطلاح غير مقبول، كما أنه لا يصدر إلا عن إنسان مبالغ في تعظيم المذاهب الفقهية والآراء البشرية إلى حد إحلالها محل النصوص الشرعية- عياذا بالله -.
المسألة الخامسة:
وقال فضيلة الشيخ وفقه الله:
(ولعل مذهب البخاري حسب صنيعه هو مذهب الجمهور؛ لأنه أتى في نفس الباب بعد حديث شد الرحال مباشرة بحديث:"صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه"، مما يشعر بأنه قصد بيان موجب شد الرحال وهو فضيلة الصلاة - هكذا في كتاب الشيخ - فيكون النهي عن شد الرحال مختصا بالمساجد ولأجل الصلاة إلا في تلك المساجد الثلاثة لاختصاصها بمضاعفة الصلاة فيها دون غيرها من بقية المساجد والأماكن الأخرى، ثم نقل كلاما لابن حجر مفاده أن النهي منصب على المساجد فقط دون غيرها من الأغراض والبقاع والصلوات.