أما الرواية التي تقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عمه أبا طالب بتسليط الله الأرضة على الصحيفة؛ فقد أوردها المحققون - كابن هشام وابن القيم وابن كثير - على أنها وصلت إليهم على لسان (بعض أهل العلم) دون أن يسندوها إلى راو بعينه..
ومهما يكن من أمر فقد كان على معالي الوزير أن يرد الخبر إلى موضعه من كتب السيرة، ولو فعل لما تورط في نسبته إلى مستشرق؛ لأن الخبر في مصادره الأساسية معروض على أنه مستند إلى الوحي، الذي أنبأ رسول الله بفعل الأرضة، فأنبأ رسول الله عمه بذلك..
وإنه لمن المفارقات المؤسفة كل الأسف أن نأخذ أخبار السيرة النبوية عن مستشرق أو مستغرب، وبين أيدينا أكداس المصنفات التي كتبها الثقات عن حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا تزال تمد المفكرين والباحثين كل يوم بالكنوز التي لا تنفذ من تراثنا العظيم.
٣- وفي حديث إذاعي لأديب معروف عن غزوة الخندق يقول: (لقد انفض القوم يومئذ من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى لم يبق معه سوى ثلاثمائة فقط..
ولا جرم أن تحديد عدة المسلمين بثلاثمائة لا معتمد له نقلا ولا عقلا؛ فالعدو قد زحف على المدينة بعشرة آلاف مقاتل من قريش وأحابيشهم ومن تبعهم من كنانة وتهامة وغطفان.. فمن غير المعقول أن يخرج المسلمون لمواجهتهم بذلك العدد الضئيل وهم قادرون على تعبئة أكبر.. فكيف وقد أجمعت كتب السيرة على أن عدد المسلمين لم ينزل يومئذ عن ثلاثة آلاف [٣] .