أما المتأخرون في عصر الرواية فيكون عملهم - في نهاية المطاف - تهذيبا وشرحا واختصارا للكتب الصحيحة المشهورة.
وهكذا مر الحديث النبوي بمراحل طويلة حتى وصل إلينا محررا مضبوطا.
أين كانت الدراية في أثناء المراحل المتقدمة؟
سايرت الدراية - أو علوم الحديث - الرواية في جميع الأطوار المتقدمة ولم تنفك عنها، وآية ذلك تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه، روى مسلم بسنده عن أنس بن مالك أنه قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار"[٦٣] .
وفي الباب أحاديث كثيرة.
وما موقف أبي بكر وعمر، وحضهما على تكثير طرق الحديث لكي ترتقي عن درجة الظن إلى درجة العلم إلا دليلا على ذلك. وقد تقدم.
ولكن فروعه لم تتشعب في عهد الصحابة؛ لثقتهم وعدالتهم، ولأنهم حملة الشريعة وتلاميذ النبي صلى الله عليه وسلم.
وظل الأمر كذلك في عهد كبار التابعين، وبدأ أوساطهم يحذرون من الكذابين، ولكن ظهرت الفرق والشيع المختلفة ووجد من يؤيدهم، صادف أواخر التابعين نماذج من الوضاعين، ومن هنا دوّن الحديث وعلومه حفظا للنصوص النبوية من عبث العابثين.
وعلم من تعريف الحديث دراية أن واضعه هو ابن شهاب الزهري؛ فيكون ندا لعلم الحديث رواية.