للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(والخشوع: التذلل والتقاصر؛ فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها، كما وصفها بالهمود في قوله تعالى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} .. وهو خلاف وصفها بالاهتزاز، والربو هو الإنتفاخ إذا أخصبت وتزخرفت بالنبات، كأنها بمنزلة المختال في زيه، وهى قبل ذلك كالذليل الكاسف البال في الأطمار الرثّة. وقرئ (وربأت) أي: ارتفعت؛ لأن النبت إذا هم أن يظهر ارتفعت له الأرض) [٣٤] .

وهكذا وصف الله تعالى الأرض بأنها ميتة، وأنه يحييها بالماء الذي يجعلها تهتز وتربو، أى: تتحرك وتنمو، وهذه الحركة العجيبة سجلها القرآن الكريم قبل أن تسجلها الملاحظة العلمية بمئات الأعوام؛ فالتربة الجافة حين ينزل عليها الماء تتحرك حركة اهتزاز، وهى تتشرب الماء وتنتفخ فتربو ثم تحيا بما تنبت من كل زوج بهيج، وهل أبهج من الحياة وهي تتفتح بعد السكون، وتنتفض بعد الهمود.

وهكذا نجد أن القرآن قد عبر عن الأرض قبل نزول الماء، وقبل تفتحها بالنبات، مرة بأنها: (هامدة) ومرة بأنها (خاشعة) ، والتعبيران يوحيان بالسكون الذي ما يلبث أن يهتز ويتحرك إذا ابتلت الأرض بالماء

.وبذلك ترتسم لنا معالم الصورة، ويبدو لنا ما خفي عن إدراكنا للحركة الدائبة تحت سطح الأرض؛ فنعلم أن كل المراعي الخضر الزاهرة الوادعة في مضهرها، إنما تخفي تحتها حياة وحركة ونموا بما يمتد في باطن الأرض من جذور، وبما ينبت فوقها من نبات يتغذى منها ويعلو ويثمر.