أما أثر ابن عباس الذي أشار إليه أبو داود؛ فقد وصله عبد الرازق في تفسيره والطبري من طريقه بسند صحيح واللفظ لعبد الرازق: أخبرنا معمر بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} الآية [٢٨] قال: ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس وخمس في الجسد؛ في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والإستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة والختان ونتف الإبط. وغسل أثر الغائط والبول بالماء " [٢٩] .
وذكر الحافظ ابن حجر أن أبا حاتم قد أخرج أثر ابن عباس هذا من وجه آخر؛ فذكر فيه غسل الجمعة بدل الإستنجاء [٣٠] .
ويلاحظ هنا: أن أثر ابن عباس قد زيد فيه في الرواية الأولى على ما جاء في حديثي عائشة وأبي هريرة: الفرق. كما زيد فيه في الرواية الثانية. غسل الجمعة. أما - فما عدا هاتين الخصلتين فهو متفق مع الحديثين السابقين عن عائشة وأبي هريرة.
وهذا الأثر وإن كان موقوفاً على ابن عباس إلا أن السنة الصحيحة قد وردت بكل ما جاء فيه، ونذكر ذلك بإيجاز فيما يلي:
أ – إن ما عدا الخصلتين السابقين: الفرق وغسل الجمعة فمذكور في حديثي أبي هريرة وعائشة كما أشرنا إلى ذلك قريباً.
ب - إن خصلة فرق الشعر لها شاهد في عدد من الصحاح؛ فقد أخرج البخاري في صحيحة والنسائي وابن ماجه واللفظ للبخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه. وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد " [٣١] .
ولفظ ابن ماجه والنسائي "وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه " [٣٢] .