وكان من سيرته - عليه رحمة الله - أنه في موسم الحصاد تأتي إليه ثمار النخيل والبساتين التي وقفها أصحابها على المسجد الجامع ليؤدي رسالته الإسلامية العظيمة، فكان الشيخ يجمع كل هذه الثمار في المسجد ويوزعها على الفقراء والمساكين ولا يأخذ تمرة واحدة يدخلها فاه أو ينقلها إلى بيته. وسألت أحد الأبناء المقربين إليه: من أين ينفق الشيخ على حاجات معيشته؟ فأخبرني أن له ابنين يعملان بالتجارة في الرياض ويرسلان إليه ما يحتاج من النفقة ولا مورد له غير هذا؟ فقلت: سبحان الله: إن خير ما يأكل المرء ما كان من كسب يده، وإن ولد الإنسان من كسبه، وهكذا تكون سيرة العلماء في الإكتفاء بالقليل والزهد فيما يزيد على ذلك مع الإجتهاد في أداء الواجب والإخلاص فيه.
ومرت الأيام.. وفي نهاية عام ١٣٧٥هـ الموافق ١٩٥٦م بدأ العدوان الثلاثي على مصر وهاجمت فرنسا وإنجلترا وإسرائيل أرض مصر ولكل دولة منهم دوافعها الخاصة فقد كانت فرنسا تريد أن تعاقب مصر على مساندة ثورة الجزائر ضدها. هذه المساندة التي وصلت إلى درجة تهريب الأسلحة والذخائر للثوار المسلمين في الجزائر وقد وقعت الباخرة (عايدة) المصرية في يد الفرنسيين وهي تحمل الأسلحة إلى ثوار الجزائر ضد الإستعمار الفرنسي فأضمرت لذلك شراً وكان هجومها على مصر، أما إنجلترا فكان هجومها من أجل أسهمها في قناة السويس التي أممتها مصر وأعادتها إلى الشعب المصري الذي حفر القناة بجهود أبنائه ودمائهم، وكانت مع ذلك تراودها الرغبة في إعادة سيطرتها مرة أخرى على مصر ولم يكن جلاء قواتها عن الأراضي المصرية قد جاوز العامين بعد، وانتهزت إسرائيل رغبة الدولتين الكبيرتين في الهجوم على مصر واتفقت معهما لخدمة أغراضها التوسعية العدوانية ولضرب القوة العربية الإسلامية على أرض مصر.