لا جرم أن نهج البلاغة زيدت فيه زيادات كثيرة بعد عهد الرضى أيضاً، وهو الذي قال إنه جمعه من كلام علي، والحال أن أكثره من كلام فصحاء الشيعة وغيرهم بدليل الإختلاف العظيم في نسخه. وقد اعترف ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة بأن ما عزى إلى أمير المؤمنين هو من كلام غيره من الحكماء لكنه (كالنظير لكلامه والمضارع لحكمته!) قال:"وإن الغرض بالكتاب الأدب والحكمة فإذا وجد ما يناسب كلامه ذكره على قاعدته في ذكر النظير "وإن الرضي قال:"إن روايات كلامه - أي كلام أمير المؤمنين - تختلف اختلافاً شديداً ". إذا عرفنا هذا ساغ لنا أن نقول إن صفة الرجل الكامل الذي عرفة ابن المقفع قد استحسنها بعض المتأخرين فأدمجوها في الكتاب الذي كسروه على كلام الخليفة الرابع. وقد وقعت لصاحب النهج حكم جوز ضمها إلى كلام أمير المؤمنين وهي أشبه بأن تكون لغيره. ومن ذلك ما نسبه لعلي وهو لابن المقفع "للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم فيها معايشه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذتها مما يحل ويجمل، وليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة في معاد، أو لذة في غير محرم "، فإن هذه الحكمة وردت في الأدب الصغير لابن المقفع وعلى صورة أجمع وأوسع. من كتاب (أمراء البيان) ج٢ لمحمد كرد علي رئيس المجمع العلمي بدمشق.
الأمور التي تتنازع فيها الأمة، في الأصول والفروع، إذا لم ترد إلى الله والرسول لم يتبين فيها الحق، بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من أمرهم، فإن رحمهم الله، أقر بعضهم بعضاً، ولم يبغ بعضهم على بعض، كما كان الصحابة في خلافة عمر وعثمان يتنازعون في بعض المسائل الإجتهادية، فيقر بعضهم بعضاً، ولا يتعدى ولا تعتدي عليه، فإن لم يرحمهم وقع بينهم الإختلاف المذموم، فبغى بعضهم على بعض، إما بالقول، مثل تكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل مثل حبه وضربه وقتله.