وهذه الأوامر الربانية الثلاثة، التي تقدم ذكرها في طي الآيات السابقة، تحقق غرضاً واحداً، وهو دلالة الخلْق على الطريق الموصلة إلى الخالق سبحانه، وهو راض عنهم، حتى يكرمهم في دار كرامته، لقاء ما قاموا به من أداء ما أوجبه الله عليهم في هذه الدار، من تحقيق العبودية، ليصدق في حقه عليه الصلاة والسلام قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[٢١] ، حقاً إنه رحمة مهداة، ونعمة مسداة للبشرية جميعاً، ولكن الشأن أن يرفع أتباعه رؤوسهم لدراسة سنته كما يجب، مكتفين بها، ليفهم كتاب الله على ضوئها، متجردين لها؛ تلك السنة التي هي ذلكم البيان، وذلكم البلاغ، وتلكم الدعوة.
وبعد: فلا يشك مسلم مهما انحطت منزلته العلمية، وضعفت ثقافته، وضحلت معرفته أن الرسول الكريم، محمداً عليه الصلاة والسلام، بلغ ما نزل إليه من ربه، وهو القرآن الكريم، ذلك لأن الإيمان بأن الله نزّل القرآن على رسوله الذي اصطفاه محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه بلّغ ما نزل إليه، كما نزل، وأنه بين للناس ما احتاج إلى بيان، وأجاب على أسئلتهم واستفساراتهم في موضوعات كثيرة، ودعاهم إلى الأخذ بما جاء به من ربه من الوحي، ولم يفْتُر عن الدعوة إلى ذلك حتى التحق بالرفيق الأعلى إن هذا المقدار من الإيمان، أصل هذا الدين، وأساسه الذي ينبني عليه كل ما بعده من واجبات الدين وفرائضه، وإذا كنا نؤمن هذا الإيمان – ويجب أن نؤمن – فأين نجد بيانه الذي يتحقق به، امتثاله عليه الصلاة والسلام لتلك الأوامر الربانية {بَلِّغْ}{لِتُبَيِّنَ}{ادْعُ} الجواب: نجد ذلك في سنته المطهرة، ولا نجد في غيرها، تلك التي قيض الله لها من شاء من عبادة، وهم جهابذة علماء المسلمين، فحفظوها وصانوها من كل مختلف، وكل معنى مزيّف ليصدق قوله تعالى: