للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي موقف آخر يقبل النبي صلى الله عليه وسلم مباهلة النصارى لأنه يحمل نفساً كريمة واثقة من نصر الله تعالى. ولكنهم يتراجعون [٢٠] . ومع هذا الاطمئنان النفسي بنجاح الدعوة الإسلامية في مكة أو في المدينة. فلقد جاء عتبة هذا في مكة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم:"يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت. وقد أتيت قومك بدين جديد فرقت به وحدتهم وشتَّت به ألفتهم. وسفهت أحلامهم وعبت آباءهم. فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها ... !!

إن كنت تريد بهذا الأمر (الإسلام) مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي لديك رئياً من الجن بذلنا لك الطب حتى يبرأ، أو لعل شعر جاش في صدرك فإنكم يا بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا نقدر عليه " [٢١] .

وهكذا يكون الإغراء بالمال والجاه والسيادة. {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [٢٢] ولكن عتبة هذا لم يلبث إلا قليلاً حتى سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم من صدر سورة فصلت إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [٢٣] . وإذا بالرجل يلقي يديه خلف ظهره ويصفر لونه. وتأخذ الآيات عقله ولبه فيصيبه الأعيان. ويذهب إلى جماعة الكفر متثاقلاً. لا يستطيع المشي. فيقول لهم:

"يا معشر قريش. أطيعوني هذه المرة واعصوني فيما سواها. خلوا بين الرجل وما هو فيه. فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم. وإن ظهر عليكم. فهو منكم. وملكه ملككم. وكنتم أسعد الناس. لقد سمعت من كلامه ما ليس شعراً ولا سحراً ولا كهانة. ثم قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم ".